بعد أن دخل الأمير الأموي "قتيبة بن مسلم" تركستان (أرض الترك)، وتمكن من فتح بخارى عام 706م، وسمرقند عام 711م، وجد الأتراك أنفسهم أمام دين جديد، وثقافة مختلفة لأول مرة، وجد الأتراك أنفسهم وجه لوجه أمام الحضارة العربية الإسلامية.
يرى العديد من المؤرخين أن المواجهة التركية الإسلامية الأولى لم تكن سلسة، إلا أنها بدأت تميل إلى التعايش فيما بعد، ويعزى ذلك إلى أن الأتراك لم يكونوا ذوي تعصب تجاه الأديان الجديدة، وقد بدا هذا جليًا في مراحل نشوء، وتطور الدولة العثمانية فيما بعد.
معركة نهر طلاس
في عام 751م كانت الصين تتخبط أمام الفتوحات الإسلامية، وعلى الرغم من سيطرة المسلمين على رقعة واسعة من آسيا الصغرى، إلا أن القوات الصينية تحصنت في بعض المناطق الهامة كقرغيزيا الواقعة في الجزء الشرقي من آسيا الصغرى، وفي ظل الأزمة التي كانت تعيشها الدولة الأموية آنذاك، أرسلت الصين بعض الحملات العسكرية، وتمكنت من استعادة بعض المناطق المهمة كتوكماك والطالقان.
بعد وصول العباسيين إلى سدة الخلافة، واستقرار الدولة الإسلامية من جديد، أمر الخليفة أبو جعفر المنصور بالتحضير لحملة عسكرية في تركستان الشرقية، فزحف الجيش العباسي وعلى رأسه القائد "أبي مسلم" إلى سمرقند حيث التحق بقوات الأمير العباسي "زياد بن صالح" الذي تولى قيادة الجيش بنفسه.
في منتصف تموز/ يوليو عام 751م اشتبك الجيشان بالقرب من مدينة "طلاس" الواقعة على نهر الطلاس في جمهورية قرغيزيا، ونظرًا لابتعاد الأمير العباسي عن قاعدته لمسافة كبيرة، فقد وجد الجيش الإسلامي نفسه في موقف عصيب أمام الجيش الصيني البالغ قوامه قرابة 50 ألف مقاتل، وهنا أدركه الجيش التركي، إذ وجد الآخر نفسه أمام فرصة لهزيمة عدوه التقليدي (الصيني)، وقد قلب هذا التدخل الموازين على أرض المعركة، إذ حوصر الجيش الصيني، وسقط آلاف القتلى منه، فضلًا عن أسر ما يزيد عن عشرين ألفًا منهم، وبهذا انتهى النفوذ الصيني في آسيا الصغرى.
يمكن اعتبار هذه المعركة كأول تقارب عربي – تركي، كسر الحواجز بين الثقافتين، وأدى إلى انتشار الإسلام في تلك الأقطار.
نتيجة لهذه المعركة أيضاً أدرك العرب قيمة الجنود الأتراك، ونظرًا لمعاملة العباسيين للمسلمين كسواسية دون تفريق بين عربي وأعجمي، فقد انحاز الأتراك لهم، وانخرطوا ضمن الجيوش الإسلامية، وبهذا يكون قد اعتنق جزء من الأتراك الديانة الإسلامية، ليحجزوا مكانهم في قطار الحضارة والثقافة الإسلامية خلال القرون الوسطى، ويتابعوا المسيرة التي سيتخلى عنها العرب فيما بعد.
وفي عام 924م شهد العالم إحدى أهم نقاط التحول في التاريخ الإسلامي عامة، والتاريخ التركي خاصة، إذ أعلن الخاقان الأكبر "قره خانلى ساتك بغرا خان" الدين الإسلامي كدين رسمي ووحيد للسلالة التركية.
يعزى اعتناق الأتراك للدين الإسلامي، وتقبلهم لمعتقادته إلى أكثر من سبب، لعل أبرزها تطابق الدين الإسلامي مع ديانة "الكوك تنكرى" من ناحية وحدانية الرب، فضلًا عن تقارب المعتقدات الإسلامية مع العادات التركية كتحريم الزنا، وإكرام الضيف وغيرها من التقاليد الإسلامية، كما أن دعوة الإسلام إلى الجهاد توافقت مع طبيعة الأتراك في جنوحهم لحمل السلاح، وخوض المعارك.
يقول المؤرخ الألماني فون قره باجاق: "إن اعتناق الأتراك الدين الإسلامي، وظهورهم على مسرح التاريخ كعنصر إسلامي بدأ كظاهرة محدودة الأهمية في البداية، ثم أحدثت هذه الظاهرة ذلك التأثير العظيم، الذي لا مثيل له تقريبا في التاريخ العالمي".