الجمعة، 2 يناير 2015

ذكرى سقوط الاندلس

 "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" 


*ذكرى سقوط الاندلس

كان سقوط الأندلس في عام 1492 م بعد "حرب الاسترداد" التي أعلنتها الكنيسة ومملكة قشتالة في شمال شبه جزيرة إيبيريا لاحتلال الأندلس .

فالكثيرون يظنون أن العرب قد أتوا واحتلوا الأندلس أو "إسبانيا" وطردوا أهلها ثم بعد ثمانية قرون انتفض أصحاب الأرض واستردوا ما لهم , الحقيقة تقول أن الغالبية الساحقة من أصحاب الأرض أسلموا واختلطوا بالعرب والأمازيغ ليشكلوا معاً المجتمع الأندلسي الثري الذي احتضن جميع الثقافات والديانات كما لم يفعل أي مجتمع آخر بشهادة الغرب قبل المسلمين. 

أما ما يسمى بحرب " الاسترداد " فلم يكن إلا احتلال ظاهره ديني وباطنه استعماري توسعي, فاجتاحت مملكة قشتالة أرض الأندلس وعذب وأبادت سكانها "الأصليين" وأجبرتهم على التنصّر أو القتل والطرد.

وإستمرت المقاومة لمحاولة استعادة الاندلس حتى 150 عاماً بعد السقوط , وفي هذا اليوم يجب أن نذكر آخر سلاطين الأندلس و شهيد الثورة المورسكية فرناندو دي بالور , ويجب ان نذكر الطرد الشنيع لأكثر من 300 الف مسلم عام 1609 م , ولا بُد أن نذكر الشهيد أحمد بلاس إنفانتي ونضاله وإسلامه وإستشهاده عام 1936 على يد الطغاة , اليوم يجب ان نذكر ونُذكِّر بعودة الإسلام إلى الأندلس إلى غرناطة , حيث بُني مسجد غرناطة الجامع بعد 511 من السقوط وذلك في عام 2003 !!

وبعد سقوط الأندلس طرد أهلها من المسلمين واليهود، ولا يوجد إعتراف لأهل الشتات الأندلسي بنفس الحقوق المعترف بها لليهود السفاريد الأندلسيين، فنظريا، نفس الدوافع القمعية أجبرت الأندلسيين المسلمين و اليهود السفاريد على الهجرة من وطنهم، والمصيبة أن (اليهود السفاريد الذين يبرهنون عن أصلهم "الإسباني" عبر أسمائهم العائلية يُعترف لهم بنفس الحقوق المعترف بها للأمريكيين اللاتينيين و الفليبنيين). أما الأندلسيون، و كإهانة إضافية لهم، فلا ذكر لهم البتة في تشريع الدولة الإسبانية , ليستمر الاضطهاد الذي بدأ منذ قرون ضدهم .

*الفتنة سبب لسقوط الأندلس :

بدأت رياح الفتنة و الخلاف تعصف بالأندلس في الأعوام الأولى من الفتح , فبعد إحكام السيطرة على أكبر المدن و أغلب القرى من قبل جيوش الأمازيغ بقيادة عربية أمازيغية بدأ وصول أفواج مهاجرة من الجزيرة العربية و من شمال إفريقيا و كان التوزيع الظالم و التفريقي للقبائل العربية و الأمازيغية على الأراضي سببا مباشرا في ظهور نزاعات أتت في النهاية على الأندلس , فقد نزل أهل دمشق بقرطبة و أهل حمص بإشبيلية و أهل فلسطين بشذونة و اليمنية بطليطلة حيث الخصب و الزرع, بينما هجّر البربر إلى الأراضي القاحلة في ماردة و بطليوس و باجة , واستأثر العرب بالمراكز القيادية ووضعوا لأنفسهم مكانة رأوها أعلى من مكانة البربر و الموالي و المسلمين الجدد فبدأت الحساسيات بين عناصر المجتمع الأندلسي الجديد لتنطلق فتن هدّامة بدأت بفتنة بين العرب نفسهم من مضرية و يمانية قبل أن تتحول إلى فتن عربية بربرية , فتنٌ أعقبتها ثورات لم تتوقف و لم تنتهي إلى أن سلّمت مفاتيح غرناطة للملوك الصليبيين , "و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم "

*ابراهام لنكولن :

لفت المنظمون لاحياء الذكرى 521 لسقوط الاندلس ان أعظم من حكم أميركا الرئيس الأميركي إبراهام لينكون من أصول أندلسيّة ، وقد ذكرها عدد من المؤرخين الباحثين، من بينهم عادل سعيد بشتاوي، وعلى منتصر الكتّاني، وقد ذكر ذلك أيضاً في كتاب مهم جداً بالإنجليزية اسمه الميلنجر "The Malingers" ، وهو يتحدث عن جبال الأبلاش "The white of the Appalachians"، التي تقع في شرق الولايات المتحدة، وبها سكان يسمونهم "ميلونجونز"، أحدهم اسمه: "براند كينيدي" "Brand Kennedy" وقد كتب كتابا عن أصول الميلونجونس بتمويل من جامعة فرجينيا الغربية، وتبين أن أصولهم إسلامية من أندلسيي البرتغال، وبقيت فيهم عادات إسلامية إلى الآن، وقد أشار الكتاب أن من أهم الشخصيات التي تنتمي إلى هذه الطبقة من الناس: "أبراهام لينكولن"،الرئيس الأميركي الأشهر، وقد أشار الكتاب لمسألة هامة وهي أن تحرير أبراهام لينكولن للعبيد كان انتقاما للأندلس بطريقة غير مباشرة .

* يوم كان أكل الكسكي جريمة :

فى عام 1538 داهم عمّال محاكم التحقيق بيت خوان البرغشى "من مدينة برغش" الأندلسية، وكان مجبراً على التنصر ، فوجدوا عنده مجموعة من الأصدقاء يأكلون الكسكسي (الاكلة الشعبية المغربية) و يعزفون الموسيقى ، فأخذتهم القوات الاسبانية ليمثلوا أمام المحكمة بتهمة العزف بألحان غريبة وأكل طعام عربى مغربى واستعمال أسماء اسلامية , هذه القصة ذكرت في كتاب (الموريسكيون الأندلسيون والمسيحيون) وهي دليل من ألوف الدلائل على إمتهان حرب ما كان هدفها إلا إنتزاع الهويّة الاندلسيّة حتى في أقل الصور الفلكلورية من طعام وخلافه، لم تكن حرباً بين محتل وشعب، كانت حرب لإبادة هوية .


* خوان أنطونيو لورنتي :

خوان أنطونيو لورنتي مؤرخ شغلت محاكم التحقيق الإسبانية تفكيره في معظم سنوات عمره الناضج، وضع قبل وفاته عام 1823 مؤلفاً ضخماً من أربعة أجزاء عن محاكم التحقيق الإسبانية يُعتبر إلى اليوم مرجع مراجع تاريخ تلك المحاكم، كلفه الفرنسيون عند دخولهم إسبانيا عام 1808 مهمة ضبط أرشيف محاكم التحقيق فاستفاد من منصبه هذا لجمع مادة الكتاب الذي ألّفه في ما بعد ، وعندما انسحب الفرنسيون غادر لورنتي البلاد معهم وظل خارج إسبانيا عشر سنوات وضع خلالها مرجعه المشهور ونشره في باريس بين عامي 1817 و1818، الكتاب أثار استياء الكثيرين من الإسبان وحظرت محاكم التحقيق تداوله على الفور ، خطورة الكتاب تكمن بالوثائق الأصلية الفاضحة التي كانت بين يديه ، لورنتي الإسباني الذي تمكّن من الحصول على وثائق لمحاكم التحقيق لم يتمكّن من الحصول عليها غيره توصّل إلى أن عدد الأندلسيين الذين قضت محاكم التحقيق بحرقهم كان 31912 أندلسياً وأندلسية، واستنتج أن عدد الأندلسيين الذين أوقعت بهم محاكم التحقيق عقوبات وغرامات مختلفة كان 271150 شخصاً فيما أحرقت محاكم التحقيق تماثيل رمزية لـ7659 أندلسياً تمكّنوا من الفرار خارج إسبانيا أو اختفوا داخل تلك البلاد الشاسعة ، هذه الأرقام المخيفة تعني ان مجموع ضحايا الأندلسيين ، بين حرق وعقوبات ، 302362 أندلسياً وأندلسية ، أي واحد من بين كل ثلاثة أندلسيين كانوا يعيشون في إسبانيا , يذكر ان لورنتي قد شغل منصب الأمين العام لمحكمة التحقيق في مدريد .

*السّيد القمبيطور أو"el cid" :

بين أشهر الشخصيات الروائية و السينمائية الأندلسية " السّيد القمبيطور" أو « el cid » هذا الشّخص الذي يصور كبطل مسيحي قومي كان مرتزقا هرب من ملاحقة ملكه ألفونسو السادس ليلجأ عند ملوك بني هود بسرقسطة فوفّر له بنو هود كلّ ظروف الراحة حتّى استرجع طاقاته ثمّ دفعت له مبالغ طائلة نظير محاربته للمجاهدين المرابطين فأدى المهمة على أحسن وجه و لكنّه سرعان ما رجع لجيش ملكه و ساهم بصدق في مهاجمة المرابطين على الشاطئ الشرقي للأندلس و قد سقطت مدن عديدة على يده من بينها بلنسية لؤلؤة المتوسط .

*دور الترجمة :

كان أول ما تصنع قشتالة ( وهي المملكة التي إحتلت الأندلس) عند إسقاط المدن الأندلسية هو انشاء دور لترجمة علوم وكُتب تلك المدن إلى القشتالية وسائر اللغات الأوروبية وحرق ما يجدونه بلا أهمية لهم ككتب البلاغة والفقه وما إلى ذلك , ويكفيك أن تتمعن في تواريخ انشاء جامعات أوروبا الكبرى التي قام عصر النهضة على أكتافها وتواريخ سقوط مدن الأندلس لتعرف بعلوم مَن قامت نهضتهم.

البرلمان الغرناطي شرع اليوم في إجراءات من أجل جعل يوم " سقوط غرناطة" يوما "وطنيا ذي فائدة ثقافية" و كذلك دمجه في قائمة الإرث المعنوي للإنسانية للأمم المتحدة و كذلك اليونسكو , فأين نحن من تاريخنا . - See more at: http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleno=140980#sthash.FCdSmhBW.dpuf